‭‬رشاد‭ ‬المثلوثي: سفارتنا‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬و‭ ‬القراءة‭ ‬الخاطئة‭…‬


رشاد‭ ‬المثلوثي

في‭ ‬الخامس‭ ‬و‭ ‬العشرين‭ ‬من‭ ‬فيفري‭ ‬الماضي،‭ ‬ناشد‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬التونسيين‭ ‬المقيمين‭ ‬بأوكرانيا‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬لإجلائهم‭ ‬إلى‭ ‬تونس‭. ‬يومها‭ ‬عرضت‭ ‬طالبة‭ ‬تونسية،‭ ‬فيديو‭ ‬تمّ‭ ‬تداوله‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬يوثق‭ ‬لحظة‭ ‬قصف‭ ‬الطائرات‭ ‬الروسية‭ ‬للطريق‭ ‬المؤدية‭ ‬إلى‭ ‬المناطق‭ ‬الحدودية‭ ‬بين‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وبولونيا‭. ‬و‭ ‬فعلا‭ ‬استجابت‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬لهذا‭ ‬النداء‭ ‬و‭ ‬انطلقت‭ ‬عمليات‭ ‬الإجلاء‭. ‬و‭ ‬السؤال‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬استباق‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬و‭ ‬دعوة‭ ‬التونسيين‭ ‬المقيمين‭ ‬بأوكرانيا‭ ‬مغادرة‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬قبل‭ ‬بداية‭ ‬المعارك‭. ‬

في‭ ‬رأيينا،‭ ‬لقد‭ ‬عجزت‭ ‬سفارتنا‭ ‬في‭ ‬كييف‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬تطور‭ ‬الأوضاع‭ ‬و‭ ‬واصلت‭ ‬الاعتماد‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الحدس‭ ‬مطمئنة‭ ‬ان‭ ‬الحرب‭ ‬لن‭ ‬تندلع‭ ‬و‭ ‬ان‭ ‬المفاوضات‭ ‬ستحل‭ ‬المشكل‭. ‬و‭ ‬لكن‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬القراءة‭ ‬خاطئة‭ ‬و‭ ‬اضطر‭ ‬طلبتنا‭ ‬الى‭ ‬تحمل‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تصوره‭ ‬من‭ ‬أهوال‭ ‬الحرب‭ ‬و‭ ‬المعاملة‭ ‬السيئة‭ ‬و‭ ‬السمسرة‭ ‬بمعاناتهم‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬تجار‭ ‬الحرب‭ ‬الذين‭ ‬حولوا‭ ‬الأجانب‭ ‬المقيمين‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬الى‭ ‬تجارة‭ ‬مربحة‭ ‬حيث‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬مغادرة‭ ‬البلاد،‭ ‬عليه‭ ‬ان‭ ‬يدفع‭.‬

تعتمد‭ ‬الدول‭ ‬عادة‭ ‬على‭ ‬دبلوماسييها‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬فهم‭ ‬الأوضاع‭ ‬و‭ ‬مد‭ ‬حكوماتهم‭ ‬بمعطيات‭ ‬و‭ ‬معلومات‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬الصحيحة‭ ‬حتى‭ ‬و‭ ‬ان‭ ‬ادى‭ ‬الامر‭ ‬الى‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الموازية‭ ‬و‭ ‬التي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬اطرافها‭ ‬العمال‭ ‬و‭ ‬الطلبة‭ ‬و‭ ‬غيرهم‭.‬و‭ ‬لقد‭ ‬أضحى‭ ‬العصر‭ ‬الراهن‭ ‬زمن‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الموازية‭ ‬بامتياز‭ ‬بفعل‭ ‬تشعبات‭ ‬القضايا‭ ‬وتعقدها‭ ‬وتعاظم‭ ‬التحديات‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭ ‬،فلم‭ ‬تعد‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الرسمية‭ ‬تفي‭ ‬بالغرض‭ ‬نتيجة‭ ‬منظومتها‭ ‬التنظيمية‭ ‬و‭ ‬الإجرائية‭ ‬المعقدة،فأصبحت‭ ‬جل‭ ‬الدول‭ ‬تعتمد‭ ‬منطق‭ ‬الجمع‭ ‬والتكامل‭ ‬بين‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الرسمية‭ ‬وغير‭ ‬الرسمية‭ ‬لمنح‭ ‬الفعل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬القدرة‭ ‬التأثيرية‭ ‬والفعالية‭ ‬ونوعا‭ ‬من‭ ‬الحكمة‭ ‬والتشاركية‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬القضايا‭ ‬الوطنية‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭.  ‬

لقد‭ ‬تغير‭ ‬مفهوم‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬و‭ ‬على‭ ‬تونس‭ ‬تغيير‭ ‬مقاربتها‭ ‬للعمل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭. ‬يقول‭ ‬هرقليطس‭ ‬‮«‬إن‭ ‬الشىء‭ ‬الوحيد‭ ‬الثابت‭ ‬هو‭ ‬التغير‭ ‬المستمر‮»‬‭.‬

‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬الدول‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬مجرد‭ ‬إيفاد‭ ‬مبعوث‭ ‬لها‭ ‬تتركز‭ ‬مهمته‭ ‬في‭ ‬توطيد‭ ‬وتعزيز‭ ‬أصر‭ ‬الروابط‭ ‬والاتصال‭ ‬بين‭ ‬دولته‭ ‬والدولة‭ ‬الموفد‭ ‬إليها،‭ ‬حاكماً‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قواعد‭ ‬متعارف‭ ‬عليها‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬اصطلح‭ ‬على‭ ‬تسميته‭ ‬بالعرف‭ ‬الدولي،‭ ‬ثم‭ ‬تطور‭ ‬الأمر‭ ‬لتصبح‭ ‬هذه‭ ‬القواعد‭ ‬مقننة‭ ‬دولياً‭ ‬حيث‭ ‬اتفاقيتا‭ ‬فيينا‭ ‬للعلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬1961‭ ‬والعلاقات‭ ‬القنصلية‭ ‬1963،‭ ‬وهما‭ ‬الاتفاقيتان‭ ‬اللتان‭ ‬مازالا‭ ‬يحكمان‭ ‬العمل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.  ‬

إلا‭ ‬أننا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬عمقنا‭ ‬النظر‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬ماهية‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬ليست‭ ‬بالقصيرة‭ ‬وحتى‭ ‬وقتنا‭ ‬الحاضر،‭ ‬لوجدنا‭ ‬أننا‭ ‬بصدد‭ ‬أطياف‭ ‬عدة‭ ‬من‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬التي‭ ‬أضحت‭ ‬تنتهجها‭ ‬الدول‭ ‬قاصدة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مواكبة‭ ‬التطورات‭ ‬الراهنة‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬مكانتها‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭. ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الأطياف‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬العامة–والتي‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬أيضاً‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الشعبية‭- ‬التي‭ ‬تمارس‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬حكومات‭ ‬الدول‭ ‬للتأثير‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الأجنبي‭ ‬بما‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬إمكان‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬للدولة‭.‬

‭ ‬

Please follow and like us:
Pin Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *