رشاد المثلوثي
في الخامس و العشرين من فيفري الماضي، ناشد عدد من الطلبة التونسيين المقيمين بأوكرانيا رئيس الجمهورية قيس سعيد لإجلائهم إلى تونس. يومها عرضت طالبة تونسية، فيديو تمّ تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، يوثق لحظة قصف الطائرات الروسية للطريق المؤدية إلى المناطق الحدودية بين أوكرانيا وبولونيا. و فعلا استجابت الدولة التونسية لهذا النداء و انطلقت عمليات الإجلاء. و السؤال لماذا لم يتم استباق هذه الحرب و دعوة التونسيين المقيمين بأوكرانيا مغادرة هذا البلد قبل بداية المعارك.
في رأيينا، لقد عجزت سفارتنا في كييف على قراءة تطور الأوضاع و واصلت الاعتماد فقط على الحدس مطمئنة ان الحرب لن تندلع و ان المفاوضات ستحل المشكل. و لكن كانت هذه القراءة خاطئة و اضطر طلبتنا الى تحمل ما لا يمكن تصوره من أهوال الحرب و المعاملة السيئة و السمسرة بمعاناتهم من طرف تجار الحرب الذين حولوا الأجانب المقيمين في أوكرانيا الى تجارة مربحة حيث من يريد مغادرة البلاد، عليه ان يدفع.
تعتمد الدول عادة على دبلوماسييها من اجل فهم الأوضاع و مد حكوماتهم بمعطيات و معلومات تساعد على اتخاذ القرارات الصحيحة حتى و ان ادى الامر الى الاعتماد على الدبلوماسية الموازية و التي عادة ما يكون اطرافها العمال و الطلبة و غيرهم.و لقد أضحى العصر الراهن زمن الدبلوماسية الموازية بامتياز بفعل تشعبات القضايا وتعقدها وتعاظم التحديات على المستوى الدولي ،فلم تعد الدبلوماسية الرسمية تفي بالغرض نتيجة منظومتها التنظيمية و الإجرائية المعقدة،فأصبحت جل الدول تعتمد منطق الجمع والتكامل بين الدبلوماسية الرسمية وغير الرسمية لمنح الفعل الدبلوماسي القدرة التأثيرية والفعالية ونوعا من الحكمة والتشاركية في الدفاع عن القضايا الوطنية بصفة عامة.
لقد تغير مفهوم الدبلوماسية و على تونس تغيير مقاربتها للعمل الدبلوماسي بشكل عام. يقول هرقليطس «إن الشىء الوحيد الثابت هو التغير المستمر».
فبعد أن كانت الدبلوماسية التي تنتهجها الدول تتمثل في مجرد إيفاد مبعوث لها تتركز مهمته في توطيد وتعزيز أصر الروابط والاتصال بين دولته والدولة الموفد إليها، حاكماً في ذلك قواعد متعارف عليها بين الدول أو ما اصطلح على تسميته بالعرف الدولي، ثم تطور الأمر لتصبح هذه القواعد مقننة دولياً حيث اتفاقيتا فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961 والعلاقات القنصلية 1963، وهما الاتفاقيتان اللتان مازالا يحكمان العمل الدبلوماسي بين كل دول العالم.
إلا أننا إذا ما عمقنا النظر فيما كانت عليه ماهية الدبلوماسية منذ فترة ليست بالقصيرة وحتى وقتنا الحاضر، لوجدنا أننا بصدد أطياف عدة من الدبلوماسية التي أضحت تنتهجها الدول قاصدة في ذلك مواكبة التطورات الراهنة من ناحية، وتعزيز مكانتها الدولية من ناحية أخرى. ومن هذه الأطياف الدبلوماسية العامة–والتي يطلق عليها أيضاً الدبلوماسية الشعبية- التي تمارس من قبل حكومات الدول للتأثير في الرأي العام الأجنبي بما يعزز من إمكان تحقيق أهداف السياسة الخارجية للدولة.