بغض النظر عن سبب الرحيل، يضطر الجميع إلى ترك أمر ما والتخلي عنه عند الذهاب إلى بلد جديد, كما يمرون جميعًا بمرحلة التكيف والتأقلم مع الوضع الجديد, وبالنسبة للبعض قد يكون التغيير مؤلم وملهم ومليء بالفضول والحماس والأفكار والمشاعر الإيجابية, بينما قد يستغرق آخرون سنوات عديدة للتكيف.
يعد الانتقال إلى دولة أخرى من التغييرات الكبرى والجوهرية للحياة, وبعد الوصول إلى البلد الجديد, يمر كل مهاجر بعملية الهجرة, والتي يحاول من خلالها المهاجرون التخلص من جميع الآثار الداخلية التي لحقت بحياتهم نتيجة لتغيُر أوضاعهم, ويجب التعامل مع هذه الآثار حتى عند الانتقال بين الدول ذات الثقافات المتشابهة, فضلا عن أنها قد تكون شديدة للغاية عندما يكون الفرق بين البلد الأم والبلد الجديد ملحوظًا بدرجة كبيرة.
يتعامل الأشخاص مع التغيير, خاصة الجوهري, على نحو فردي, حيث تتأثر ردود أفعالهم بتجارب الطفولة والعمر والجنس والتعليم والخلفية العرقية والدينية والثقافة في البلد الأم وأسباب الانتقال والتجارب الأليمة القاسية وطول الفترة التي يجب أن ينتظروها للحصول على اللجوء وعدم اليقين والغموض المرتبطين بذلك والمواقف تجاه المهاجرين, علاوة على وجود الدعم الاجتماعي أو عدم وجوده.
هناك العديد من الأسباب المختلفة التي قد تدعو للهجرة, على سبيل المثال, اضطرار اللاجئين إلى مغادرة وطنهم بسبب الحرب أو الاضطهاد, وغالبًا ما يضطروا إلى ترك ممتلكاتهم بسرعة والمغادرة أو قد لا يمتلكوا حتى الوقت للتحضير لرحيلهم, وفي بعض الأحيان يستغرقون فترات طويلة للتحضير للهروب دون إخبار أي شخص, وفي كثير من الحالات، لم يكن لديهم الوقت الكافي أو الإمكانية لتوديع أحبائهم, بالإضافة إلى أنهم غالبًا ما يكونوا قد شهدوا بالفعل العديد من الأمور الصعبة وعاشوا مواقف مؤلمة في بلادهم, فضلاً عن أن الرحلة إلى البلد الجديد قد تكون طويلة وشاقة, ومن المحتمل أن الكثير منهم سكنوا في مخيمات للاجئين, علاوة على ذلك يضطر اللاجئون في كثير من الأحيان إلى تجاهل مشاعرهم وكبتها من أجل القدرة على مواجهة كل الأمور التي تمُر بهم وتخطيها والاستمرار في المثابرة.
يخطط المهاجرون, من ناحية أخرى, لرحيلهم, فهم عادة ما يسعون إلى تحسين حياتهم وأوضاعهم بطريقة أو بأخرى, لذلك قد ينتقلون إلى بلد آخر للدراسة أو لضمان مستقبل أفضل لجميع أفراد الأسرة أو لمجرد تجربة العيش في مكان جديدة وبيئة متميزة, وفي بعض الأحيان يقرر المهاجرون المغادرة أيضًا بسبب ظروفٍ ألمت بهم وقد يكونوا واجهوا تجارب أليمة, وعلى الرغم من كل ذلك عادة ما يكون لديهم الوقت الكاف والفرصة للتخطيط لرحيلهم وتوديع أحبائهم وترتيب جميع نواحي حياتهم.
بغض النظر عن سبب الرحيل، يضطر الجميع إلى ترك أمر ما والتخلي عنه عند الذهاب إلى بلد جديد, كما يمرون جميعًا بمرحلة التكيف والتأقلم مع الوضع الجديد, وبالنسبة للبعض قد يكون التغيير مؤلم وملهم ومليء بالفضول والحماس والأفكار والمشاعر الإيجابية, بينما قد يستغرق آخرون سنوات عديدة مؤلمة لتخطي الأمر والمضي قدُمًا, الأمر الذي غالبًا ما ينطبق فعليًا على طالبي اللجوء واللاجئين, ولكن يواجه المهاجرون أيضًا تحديًا صعبًا فيما يتعلق بالاندماج في المجتمع الجديد, وفي معظم الأحوال يتطلب التكيف الكثير من الوقت والجهد, فهو أحيانًا يعد أمرًا شاقًا للغاية.
لا يدرك معظم الأشخاص مدى المجهود والضغط الذي قد يتطلبه العيش والاستقرار في مجتمع مختلف وثقافة لم يعتادوا عليها, كما يعد التوتر والضغط والقلق الناتج عن ذلك استجابة طبيعية لتغيير المناطق المحيطة, فقد نشعر جميعًا في بعض الأحيان بأن أمور الحياة غريبة وصعبة, كذلك قد يعاني العديد من الأشخاص من مشاعر اليأس والإحباط, فهو أمر شائع وطبيعي, وقد يواجه الكثيرون مشاعر قوية أخرى وردود أفعال عنيفة, والتي قد تكون مربكة ومخيفة, وبالرغم من ذلك تعد هذه الأمور رد فعل طبيعي تمامًا للتغيير, وحتى بعد هذه الأوقات العصيبة عادةً ما تكون هنالك انطلاقة جديدة وآمال وأحلام طموحة لاكتشاف طرق ووسائل التكيف مع الحياة في البلد الجديد.
عملية الهجرة.. الانتظار بحماس
إن الانتقال إلى بلد جديد يكون في أغلب الأحيان فترة إيجابية مملوءة بالتفاؤل, فالاختلافات الثقافية لا تسبب الإزعاج بل على العكس تكون مصدرًا للافتتان وتثير الإعجاب, إذ يكون التحمس والارتياح والامتنان هي المشاعر المصاحبة لهذه الفترة, ومن ثم عادةً ما يمتلك الوافدون الجدد آمالاً وتوقعات عالية, فهم يؤمنون بشدة بأنهم سوف يتعلمون اللغة ويعثرون على عمل مناسب, كما أن لديهم أيضًا الكثير من الحيوية والطاقة لترتيب أمور حياتهم وأوضاعهم, وقد تكون تلك التوقعات والآمال غير واقعية في بعض الأحيان, فقد يعتقدون مثلاً أن البلد الجديد لا توجد به أية مشكلات أو مصاعب, ويرجع ذلك الأمر لميلهم إلى إنكار وجود الصعوبات أو غلق أعينهم ببساطة وعدم رؤية الحقيقة, فهم يبحثون عن تأكيدات في البيئة الجديدة تثبت أن رحيلهم كان القرار المناسب.
الصراع بين الآمال والإمكانيات
تصبح المواقف تجاه البلد الجديد أكثر واقعية بعد انقضاء فترة من الوقت: فالأشخاص يرون مشاكل الحياة في كل مكان, وسوف يبدأ الوافدون في رؤية مساوئ فنلندا والشعب الفنلندي, إذ يكون الالتحاق بالمؤسسات التعليمية في البلد الجديد أو العثور على عمل أمرًا صعبًا, حينئذ يبدءون في الشعور بأن جميع نواحي الحياة في بلدهم الأم كانت جيدة ومريحة على عكس ما وجدوه في البلد الجديد, في هذه المرحلة, غالبًا ما يشعرون بالسوء والمعاناة من مختلف أنواع المشاكل, وتعد مشاعر الوحدة والغربة وخيبة الأمل هي المشاعر الشائعة: ربما لم يكن يجدر بي القدوم إلى هنا على الرغم من كل ما حدث؟ هل قمت بالاختيار الصحيح؟
ردود الأفعال والمشاعر القوية
يسبب عدم التيقن من المستقبل ونقص أنماط الحياة المُعتادة الكثير من الضغط والتوتر, فالتركيز على المواقف الجديدة يتطلب المزيد من القوة والطاقة, وهو أمر مُرهق ذهنيًا, وفي نفس الوقت, يتعين على الشخص أن يكون قادرًا على تكوين علاقات جديدة وذلك لتعويض غياب العائلة والأصدقاء القدامى, ومن الممكن ألا يجد المهاجرون عملاً مناسبًا على الفور, كما قد يواجهون أيضًا بعض المشاكل فيما يتعلق بالمعيشة والمال والطعام, ويكون ذلك مصحوبًا بردودِ فعلٍ عنيفة وعاطفة قوية في أغلب الأحيان, والتي من الممكن أن تكون مثيرة للخوف, حيث يقول الكثير من المهاجرين بأنهم عانوا من سيطرت تلك المشاعر القوية عليهم خلال تلك الفترة, وعلى الرغم من كل ذلك تعد هذه المشاعر القوية جزءً مفهومًا وطبيعيًا من عملية التكيف.
فيما يلي المشاعر وردود الأفعال الشائعة بين العديد من المهاجرين خلال تلك المرحلة:
• التعب والضعف والإحباط واليأس
• الانزعاج والشعور بالمرارة والغضب والكراهية والعدوان
• الأرق والكوابيس
• نسيان الكلمات والأسماء والمواعيد، وصعوبات الانتباه
• الصداع واضطرابات المعدة وعدد من الأعراض الجسدية الأخرى
• الخوف وانعدام الثقة
• عدم القدرة على فعل أي شيء أو التواصل مع المجتمع الجديد
• استهلاك الفرد لطاقة كبيرة وبذل مجهود مبالغ فيه لترتيب أوضاع حياته.
من الأمور التي غالبًا ما تساعد المهاجرين هي معرفة أن المشاعر السلبية جزء معتاد في عملية الهجرة الطبيعية, وأن هذه المرحلة سوف تمر أيضًا, ففي بعض الأحيان يشعر الأشخاص بالخوف من أن شخصيتهم تغيرت للأبد وأن ردود الفعل والمشاعر السلبية سوف تبقى جزءً منهم, وهذا غير صحيح تمامًا, إذ أنهم سوف يتخطون هذه المرحلة عندما يتعاملون مع أفكارهم ومشاعرهم, ولكن قد يؤدي عدم القيام بذلك إلى حدوث أزمات عميقة أو الإصابة بالاكتئاب.
تحقيق المزيد من الاتزان
سوف يبدأ الوافدون في رؤية الأشياء الإيجابية في البلد الجديد شيئًا فشيئًا, بالإضافة إلى اتخاذهم موقف أكثر إيجابية نحو المستقبل, كما سوف يبدءون في استعادة الثقة في مقدرتهم على التكيف حتى مع وجود صعوبات, فهم لديهم الشجاعة الكافية لكي يستفيدوا من العيش في البلد الجديد عاطفيًا وفعليًا, حيث سوف يبنون علاقات دائمة وممتدة أو يخططون لشراء شقة خاصة, على سبيل المثال.