شهر رمضان في تونس.. عادات تلاشت وأخرى ما تزال تحفظ ذاكرة المجتمع

يتسّم شهر رمضان الذي دخل أسبوعه الرابع والأخير، ببعض العادات والتقاليد التي تميز نمط حياة التونسيين فشهر الصيام يرتبط بأعمال ظلّت راسخة رغم مرور عقود من الزمن.

وهذه العادات هي ممارسات معتادة بشكل سنوي تميّز أجواء هذا الشهر الكريم ثم تغيب بباقي أشهر وفترات السنة لكن عديدة هي العادات التي بدأت تتلاشي شيئا فشيئا وبعضها يسجّل نقصا أو تباينا في الممارسة حسب تغيّر ديناميكية المجتمع .

فشهر رمضان بالنسبة إلى التونسيين ، هو شهر لمّ الشمل الأسري فمواعيد زيارات العائلات لبعضها البعض تكثر خلال ليالي هذا الشهر، كما تقام مناسبات الاحتفالات من ذلك، أن مواعيد الاحتفال بختان الأطفال أو حفلات الخطوبة تنظّم في أحيان كثيرة ولدى جزء هام من التونسيين في نصفه الثاني وخصوصا في الأسبوع الأخير منه تبرّكا بفضل ليلة القدر الموافقة ليوم 27 رمضان.

يذهب الباحث في الأنتربولوجيا والتاريخ، محمد ذويب، إلى أن النصف الثاني من رمضان يمثل أهم محطّات الاحتفال بالمناسبات العائلية اذ يعدّ بمثابة الموسم السنوي لمراسم الارتباط من خلال تنظيم حفلات الخطوبة كونه موعدا قارا في سجّل عديد الأسر التونسية ويحظى بالاهتمام ذاته بالنسبة إلى مواعيد ختان الأطفال.

وبينما يصّر البعض من التونسيين على المحافظة على التزاور بين أفراد العائلات ولم الشمل على امتداد أيام شهر رمضان، الا أن ذويب، لاحظ أن ما وصفه ب”الديناميكية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية” أفرزت انعكاسا سلبيا على هذه العادات.

وأشار إلى أن وتيرة الزيارات بين العائلات تراجعت بفعل التأثر بفرط استعمال تكنولوجيات الهواتف الذكية التي شرّعت الباب على مصراعيه أمام التواصل الرقمي عبر الأنترنات بين الجميع في وقت واحد .

وأضاف قوله” صار من السهل بمكان مخاطبة أي فرد من أفراد الأسرة الموسعة أو الأقارب من خلال الأنترنات”، معتبرا، أن الروابط العلائقية تضرّرت إلى حد ما نتيجة ذلك .

جانب آخر، من هذه العادات يرتبط بممارسة الأنشطة الرياضية وتنظيم أوقات النوم، تطرّق إليه المختص في علم التاريخ، مستذكرا، أن ربّات البيوت كنّ حتى عقود غير بعيدة ينهضن قبل موعد السحور من أجل إعداد وطهي وجبة السحور لأفراد عائلتهن، مبيّنا، أن تطور المأكولات والمنتوجات الغذائية أتاح التخلي تدريجيا عن جهد النهوض قبل سويعات من موعد السحور .

وحتى وقت غير بعيد، بدا من المألوف متابعة الدورات الرمضانية لكرة القدم التي تقام طيلة أيام رمضان وتلقى الاقبال المكثّف من الجمهور في الأحياء حيث يجمع ميدان الكرة في كل حي ( البطحاء) فرقا من أمهر الموهوبين في لعب كرة القدم وتقام مباريات تتميز بالندّية والتنافسية وتختم هذه الدورات بمباراة نهائية يتوّج إثرها الفريق الفائز، غير أن هذه العادة سجّلت تراجعا كذلك جراء انتشار أكاديميات التدريب في كرة القدم فالأولياء من جهتهم يفضلون صقل مواهب أبنائهم في هذه الأكاديميات، حسب ما بينه المتحدّث.

على صعيد آخر، تشكّل العادات الغذائية أهم إطار يجتمع حوله عدد هام من العائلات التونسية على الموائد في سهرات رمضان، التي تزدان بأنواع من الحلويات المميّزة وأهمها الزلابية والمخارق وهما النوعان الأكثر رواجا في شهر الصيام .وتتحوّل غالبية مطاعم الأكلات الخفيفة المتواجدة بالأحياء الشعبية الى محلاّت لصنع الحلويات بمختلف أنواعها، وتلقى هذه الحلويات الرمضانية إقبالا كبيرا في رمضان.

وبينما يعدّ هذا الشهر مناسبة تشهد زيادة في الطلب مدفوعة بشهوة استهلاك المواد الغذائية المرتبطة برمضان ، سجّلت عادات أخرى أفولها عن المجتمع ومنها مهنة الطبّال ، ويعرف ب” بوطبيلة “، الذي كان يقوم بدور المنبّه من خلال النقر على طبلته مناديا إلى السحور كما تلاشى مدفع رمضان الذي كان يستخدم لإعلان موعد الإفطار للعامّة بإطلاق قذيفة مدفعية صوتية لحظة غروب الشمس.

ومهنة “بوطبيلة” ضاربة في القدم وهي لا تتطلب مؤهلات علمية يمارسها شخص من ضعاف الحال حتى يضمن لنفسه بعض الإكراميات خلال شهر رمضان، ولم يقتصر تواجدها على تونس بل هي عادة ذات صيت في مدن العالم الإسلامي .

يعلّق الباحث محمد ذويب بالقول، ” ان اختفاء مهنة بوطبيلة ناتج عن تطور التكنولوجيا، مستندا، الى أن المنبه المستخدم في الهواتف المحمولة قد أنهى ممارسة هذه المهنة وكذلك عجّل مع جهاز التلفاز في الاجهاز على طلقات مدفع رمضان”.

وتابع قائلا “بنفس القدر من التأثير ساهم الرفاه التكنولوجي بتوفير الثلاجات ووسائل تسخين وتبريد الأكل، في تسهيل مهام ربات البيوت اللائي أضحين يبذلن مجهودا بدنيا أقل في تحضير الأكلات بالمقارنة مع ما كان عليه الأمر قبل عقود من الزمن”.

وختم بالاشارة، الى أن العادات الغذائية شهدت تغيّرا كبيرا يرتبط بانفتاح المجتمع على التكنولوجيات وهو ما ألحق تأثيرا في العلاقات الأسرية والعائلية تفكّكت بموجبه المنظومة السوسيولوجية ، وفق رأيه .

Please follow and like us:
Pin Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *